إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة
فلقد اصطفى ربنا شهر رمضان من بين سائر الشهور فكرمه ، إذ أنزل فيه القرآن وفرض على الأمة صيامه ، وكلف نبيه أن يسن للأمة قيامه ، الفرح الحقيقي ليس في المال ، ليس في الجاه والغنى والسلطان ، ليس في الدنيا وبكن الفرح الحقيقي في فضل الله تبارك وتعالى قال جل جلاله : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (يونس/58)
وفي لفظ مسلم : " فتحت أبواب الرحمة " ([2]) وفي لفظ الترمذي والبهيقي : " إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادى مناد : ياباغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة حتى ينقضي رمضان "([3])
لا إله إلا الله فتحت أبواب الجنة أقسم بالله : محروم ومخذول ، من يفتح له الله أبواب الجنة ولا يسابق الأنفاس ، ليدخل أبوابها محروم ، من يفتح الله له أبواب الرحمة دون أن يزج بنفسه في رحمات الرحمن جل وعلا ، أبواب الجنة تفتح في أول يوم ، أبواب الرحمة تفتح في أول يوم ، فمحروم مخذول من لا يدخل من هذه الأبواب . متى ستدخل الأبواب إن لم تدخلها الآن ؟ أبواب الجنة مفتحة ، وأبواب الرحمة مفتحة وما أدراك ما الجنة ؟ وما أدراك ما الرحمة ؟ سؤالان أجيب عليهما باختصار شديد وإلا ، فإن الجواب على واحد منهما يحتاج ورب الكعبة إلى اللقاء بطوله : ما أدراك ما الجنة ؟ التي سيفتح الله لك أبوابها مع أول يوم من أيام رمضان .
الجنة لن أصف نعيمها ، ولن أقف مع قصورها ، ولن أصف لكم حريرها ، ولا حورها ولا ذهبها ولا فضتها ، ولا حريرها ولا نعيمها ، إنما سأقف فقط مع حديثين اثنين للنبي يبين فيهما نبينا آخر رجل يدخل الجنة ويبين فيه أدنى منزلة في الجنة .
قال جل وعلا : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (آل عمران/133) من المتقون ؟ ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا )(آل عمران/134-135) هذا هو المراد ، إياك أن تصر على ذنب ، ولو كان صغيرا ، إياك أن تصر على معصية ولو كانت صغيرة لكن إن ضعفت لبشريتك ووقعت في الذنب والمعصية فما عليك إلا أن تجدد التوبة بعد كل ذنب واعلم بأن الله لا يمل حتى تمل .
ومن أعظم صور الرحمة أن فرض الله علينا رمضان لنصوم أياماً من أعظم صور الرحمة تدبر معي قول النبي : " إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن" ([8]) إذن لماذا نرى من يشرب الخمر وربما من يزني ويسرق ويسب كيف يحدث ذلك وقد صفدت الشياطين ؟ كيف يقع ذلك وقد سلسلت مردة الجن ؟ .
فالصيام من أعظم صور الرحمة من الله جل وعلا بأمة الحبيب لذا قال ربنا في الحديث القدسي في الصحيحين : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزئ به والصيام جُنة – أي وقاية – فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر : فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه" ([9]) اللهم فرحنا يوم لقياك – " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"([10]).
بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة "([14]) الحديث رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان .
" لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" ([15]) الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر . فضل عظيم وهذا غيث من فيض .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي قال : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"([22])
وآأسفاه بعد كل هذا الذي ذكرت من كلام ربي ومن كلام نبيي وا أسفاه إن دعينا اليوم إلى التوبة وما أجبنا ، وا حسرتاه إن ذكرنا بكل هذا الخير وما أنبنا يا نادما على الذنوب .
أين أثر ندمك ؟ أين بكاؤك على زلة قدمك ؟ يا نادماً على الذنوب أين بكاؤك على زلة قدمك ؟ أما تخشى من العذاب ؟ أما تخشى من العقاب ؟ أين التوبة وأين شروطها ؟ وهل ذقت حلاوة قبولها ؟ فشروطها الندم على كل ما مضى من تقصير والإقلاع عن الذنوب والمعاصي والمداومة على الأعمال الصالحة وتحلل من أخيك إن كان الذنب متعلقاً بأخيك .
ثم هل ذقت علامات قبول التوبة ؟ ما هي علامات قبولها ؟
أن يكون حالك بعد التوبة أحسن مع الله من حالك قبل التوبة أن تنتقل من طاعة إلى طاعة ، ومن فضل إلى فضل ، ومن خير إلى خير ، لا يستوي حالك بعد التوبة مع حالك قبل التوبة ، وإلا ما صدقت مع الله في توبتك .
فكثير منا كذاب في توبته ، كثير منا يكذب على الله بالتوبة ، فلنقبل إلى الله ولنرجع إلى الله ونحن على يقين بأن الله سيفرح بتوبتنا وهو الغني عنا .
لكن اعلم أن أبواب الملوك لا تقرع بالأظافر ، اعلم أن باب ملك الملوك لا يقرع إلا بقلب محب تائب وجل ، فهيا هيا فلنقبل على الله قال الله سبحانه : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (الفرقان/70) اللهم بدل سيئاتنا حسنات .
ولتقبل المسلمة على الله بنبذ التبرج وارتداء الحجاب والتوبة إلى الله والعودة في هذا الموسم الكريم المبارك ، وليعاهد ربه كل من ابتلي بالتدخين أن يقلع عن هذه المعصية
في رمضان .