القرآن الكريم:
في غار حراء بعيدًا عن الناس، نزل جبريل على نبيِّنا محمد ( وهو يتعبد لله الواحد الأحد، وقال له: اقرأ. فرد عليه: (ما أنا بقارئ). فضمه جبريل بشدة، وقال له: اقرأ. فقال ( وهو يرتعد ويرتجف: (ما أنا بقارئ). فاحتضنه جبريل بشدة مرة ثانية وهو يأمره: اقرأ. فأجاب وهو يرتجف ويرتعش: (ما أنا بقارئ)، فيضمه جبريل إلى صدره للمرة الثالثة ثم يتركه ويقول له: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1].
وينتهي ذلك الموقف، ويختفي جبريل، فيسرع محمد ( إلى بيته مرتجفًا مرتعدًا يتصبب عرقًا، ويدخل على زوجته خديجة وهو يقول: (زملوني، زملوني (أي ضعوا على غطاء)) [البخارى]. فتضع خديجة عليه أغطية الصوف، وتمسح العرق عن جبينه.
لقد نفذت مشيئة الله، وتم اختيار آخر الأنبياء في الأرض لتبليغ دعوة الله إلى العباد. وكانت هذه الآية هي أول ما أنزل الله -سبحانه- على رسوله ( من القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي اختاره الله -عز وجل- ليكون معجزة خالدة، وحجة واضحة مع خاتم النبيين. وهذا الكتاب ليس الوحيد الذي أنزله الله، بل هناك كتب أخرى مثل: التوراة والإنجيل والزبور والصحف.
والمسلم يؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، كما آمن بالقرآن الذي أنزله الله على محمد (، ومن هذه الكتب ما ذكره الله لنا في القرآن الكريم، ومنها ما لم يذكره، يقول الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} [البقرة 213].
ومن الكتب التي ذكرها الله- عز وجل- في القرآن الكريم:
صحف إبراهيم وموسى- عليهما السلام-:
هي التي أنزلها الله -عز وجل- على إبراهيم وموسى -عليهما السلام- قال تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى. وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 36-37]. وقال سبحانه: {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى}
[الأعلى: 18-19].
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم -عليه السلام-؟ قال: (كانت أمثالا كلها؛ أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لتردَّ عنَّي دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل- ما لم يكن مغلوبًا على عقله ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله -عز وجل-، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل ألا يكون ظاعنًا إلا لثلاث: تزوّد لمعاد، أو مرمَّة -أي إصلاح- لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلا على شأنه، وحافظًا للسانه.. ومن حسب كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه).
قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى -عليه السلام-؟ قال: (كانت عبرًا كلها: عجبتُ لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبتُ لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب (أي يتعب) عجبتُ لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها. عجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم لا يعمل)
[ابن حبان والحاكم].
التوراة:
وهي الكتاب الذي أنزله الله على موسى -عليه السلام- وأمر النبيين من بعده أن يقيموا أحكامه، لأن الله -عز وجل- أرسلهم ولم يرسل معهم كتبًا، بل جعل التوراة، كتابهم وشرعتهم، قال تعالى : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44]. وقد سمَّى الله -عز وجل- التوراة في القرآن بالفرقان.
الزبور:
من الكتب السماوية، أنزله الله -عز وجل- على داود -عليه السلام- قال تعالى: {وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55]. وكان داود كثير القراءة في الزبور، الذي سماه الرسول ( قرآنًا للتشابه بينهما في الإعجاز، فقال (: (خُفِّف على داود -عليه السلام- القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده) [البخارى].
وأنزل الله -عز وجل- في الزبور المواعظ الغالية، والثناء عليه -سبحانه-، ولم ينزل الله فيه أحكام الحلال والحرام؛ لأنهم كانوا يأخذون أحكامهم من التوراة.
الإنجيل:
أنزله الله على عيسى -عليه السلام- قال تعالى: {وقفينا على آثارهم
بعيسى بن مريم مصدقًا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين} [المائدة: 46].
وقال الله -عز وجل-: {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل} [الحديد: 27].
الغاية من إنزال الكتب:
المسلم يؤمن أن هذه الكتب نزلت من عند الله، وهي تدعو إلى توحيد الله وعدم الشرك به -سبحانه-، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
ويؤمن أن الغاية من إنزال الكتب هي هداية البشر إلى طريق الله المستقيم، وإزالة ما بينهم من اختلاف، وتبشيرهم برضوان الله -عز وجل- إن أطاعوه، وبعذابه
-سبحانه- إن عصوه. وأن الرسالات السماوية -غير القرآن- لم تَبْقَ على الصورة التي أنزلها الله عليها، ولكنها تعرضت للتحريف والتبديل، واختلط فيها كلام البشر بكلام الله -عز وجل-.
صور تحريف الكتب السماوية
وقد أخذ التحريف في هذه الكتب صورًا شتى، وقد ذكر منها القرآن بعض
الصور، مثل:
إخفاء الآيات:
قال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسول يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير} [المائدة: 15].
التأويل الخاطئ للآيات:
قال تعالى: {وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} [آل عمران: 78].
نقل الآيات من أماكنها:
قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا} [النساء: 46].
إضافة شيء ليس من الكتاب:
قال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون. فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة: 78-79].
تحريف التوراة:
إن الإيمان بالتوراة التي أنزلها الله على موسى -عليه السلام- ركن من أركان الإيمان، والمسلم يؤمن بأنها اشتملت على كل خير، وجاءت بتوحيد
الله -عز وجل- وكانت نورًا وهدى. قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة: 44].