يقظة القلب
----
زود الله الإنسان بخصائص نفسية وطاقات روحية ، تمكنه من السمو والترقي ، وتحرره من جواذب الأرض.
ونحن نرى في حياتنا ونجد في أنفسنا نصيبا من وطأة هذا الحرمان حتى أنه لتأتي علينا أوقات نستثقل فيها العبادة ، ونتبرم بمن حولنا ، ونجد في قلوبنا قسوة.
أما صاحب القلب الموصول فهو بخلاف هذا الحال ، يجد في صدره انشراحا ، ولعبادته لذة ، ومع ربه شغلا وإنسا ، لقد كان العارفون فيما مضى يقولون :
-" إذا وقعت في أل حميم- السور القرآنية التي تبدأ بالحروف: حاء ميم "حم"- وقعتُ في رياض دمثات أتأنق فيهن " .
- " نحن في حال لو عرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف " .
- " ماذا يفعل أعدائي بي أنا جنتي في صدري " .
ونحن حينما نقرأ في كتب الأوائل مثل هذه العبارات ، وننظر في حالنا نجد أن بيننا وبين أؤلئك الرجال مفاوز بعيدة ،و مساحات لا تحد.
لا تعرضن بذكرهم مع ذكرنا == ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
ومن السهل علينا أن نسوق لأنفسنا المعاذير وأن نعد المبررات التي قدمتهم وأخرتنا ، ومن الميسور علينا أن نقارن بين زمانهم وزماننا ، لنقول إننا نعيش في عصر إنتصرت فيه المادة على الروح ، ولو كنا في مثل زمانهم لفعلنا ما فعلوا، فنحن لم نجد على الحق أعوانا.
ومع اعترافنا بأثر الزمان وسطوته على الناس ودوره في تشكيل سلوكهم ، إلا أننا نعلم أن المنهل الذي استقى منه أولئك الرجال لا يزال بين أيدينا عذبا زلالا ، وسائغا فراتا ، وما علينا إلا أن نرده لنجدد إيماننا ونبعث اليقظة في قلوبنا ، وحالنا اليوم ليس أسوأ فترات التاريخ التي عرفها المسلمون ، فما تزال بقايا الخير شاخصة في حياتنا ، ومساجدنا بفضل الله عامرة ،وجهود أهل الدعوة والإصلاح تثمر ثمارا طيبة ، وتكشف عن معادن في الناس خيرة.
إن يقظة القلب هي السبيل الأوحد الذي يكفل لنا أفرادا وجماعات الوصول إلى ما نرجوه لأنفسنا من رقي وسمو، ولكن هذه اليقظة لا تتم إلا بوسائل نحتاج أن نكون جادين في الأخذ بها:
1- صدق اللجوء إلى الله ليعننا على بلوغ الرشد ، وللدعاء -لا سيما مع الإلحاح- بركاته المعلومة وآثاره المشهودة : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادي سيدخلون جهنم داخرين } .
2- وقفات المراجعة والاستدراك التي تحول بين الإنسان وبين المضي في حياته لا يلوي على شيئ ، وأظن أن هذه هي العلامة الفارقة بين المسلم الجاد والآخر الذي لا يبالي بما اقترفت يداه { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } .
3- الاستعداد النفسي لتقبل النصح ، وإشاعة ثقافته حتى يصبح سلوكا راسخا في حياة المجتمع المسلم ، فـ { المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ، وفي الحديث الصحيح (الدين النصيحة) فالمسلم الجاد يوطن نفسه على تقبل النصح والخضوع له والعمل بمقتضاه متى ما تبين له الحق وصح عنده صواب ما أهدي إليه، شعاره في ذلك : ( رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي ) .
4- عدم الاستخفاف بمحقرات الذنوب ، فكثير من الناس يستخفون بذنوبهم لأنهم يقارنون حالهم بحال أهل الكبائر ويقولون نحن في عافية ، وذنوبنا مع أولئك كقطرة في بحر ، وننسى في غمرة هذا الاسترسال الشيطاني أن معظم النار من مستصغر الشرر ، وأن الصغائر مع الإصرار عليها والاستخفاف بها هي سبب أصيل في كل النهايات المؤلمة، فالتحولات في حياة الناس لا تحدث بين يوم وليلة، وظاهرة الانتكاس والتراجع تبدأ بخطوات وئيدة ثم تتابع مسرعة حتى تورد صاحبها المهالك